أصدرت «منشورات القاسمي» طيلة عام 2021، نخبة مميزة من مؤلفات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، التي تأتي ضمن سلسلة ثقافية واسعة، خاصة، وشهد هذا العام صدور طبعات مترجمة للغات العالم المختلفة لمسرحيات سموه، بعد زيادة الطلب عليها، خاصة من مختلف الجهات العلمية والمعرفية.
إن الأعمال المسرحية المترجمة لصاحب السمو حاكم الشارقة، هي فرصة لتقديم زاد ثقافي أدبي مسرحي إلى القراء في أوروبا والعالم أجمع. ومن خلال المراجعات اتّضح أن ترجمة الأعمال المسرحية العربية بقيت على هامش دراسات واقع الترجمة في الملتقيات والمهرجانات المسرحية العربية، من دون النظر إلى زيادة الاهتمام بالترجمة التي تعتبر عملية أكثر تقنية وتعقيداً، لأن المسرح ممارسة فنية تحكمها عناصر متداخلة وليس مجرد «نوع أدبي»، ثم إن التأكيد على دور المسرح وتقديم النص التاريخي تحديداً، وضمن رؤية ناضجة للتفاعل مع الآخر، أمر يجب علينا استيعابه وفهم منطلقاته، وفي موازاة ذلك علينا الاستفادة من المنجز الغربي على مستويي النص والعرض في المسرح، وهي مهمة مطلوبة، حيث يشكل المسرح أحد الروافد التي يمكنها إمداد الناس بالمعرفة وتعريفهم بهويات ثقافية تتعايش معهم.
غلاف كتاب «سرد الذات» باللغة الإنجليزية
لذلك فإن الشروع بهذا المشروع الحيوي والكبير من «منشورات القاسمي» في تقديم الأعمال المسرحية لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، باللغة الإسبانية، وما تحتله هذه اللغة من مساحة واسعة في العالم وعند المثقفين والمهتمين بالمسرح العالمي، قد ترك انطباعاً طيباً، خاصة أن العديد من الطلبات التي استلمتها المنشورات من جامعات ودور بحوث رصينة تطالب بتزويدها بترجمات لأعمال سموه المسرحية، لاسيما وأن بعض العواصم العالمية شهدت عروضاً مسرحية لمسرحيات سموه، ولعل من أبرزها مسرحية «النمرود» التي تروي حكاية ملك ظالم في بابل «العراق»، يضطهد الناس فأراد أهل المدينة أن يتخلصوا منه فلجأوا إلى «النمرود» الذي قتل الملك، وأخذ مكانه، وبدأ بدوره يضطهد أهل بابل ويذلّهم وبالغ في ذلك حدّ أنه ادعى الربوبية، فانتقم الله منه بالذباب الذي أرسله على جنوده فأبادهم، ودخلت منه واحدة في رأس (النمرود) ولم يتحمل أزيزها فدعا الناس لضربه فهجموا عليه وقتلوه، وهذه نهاية كل طاغية.
إن للترجمة دورها الحضاري العالمي، كما لها الدور المهم في نقل قيم ونهج الحضارات والثقافات من، وإلى اللغة العربية، منذ القرن التاسع عشر، وقد كان لمحاولات ترجمة الأعمال المسرحية الإنجليزية، لوليم شكسبير، ومارلو، وبرناردشو، من شعراء وروائيين، قيمة عالمية وعربية على حد سواء، خلال القرن العشرين، وقد نالت العديد من أعمالهم المسرحية وقصائدهم الشعرية رواجاً وانتشاراً بعد ترجمتها من الإنجليزية إلى العربية، وكان من أوائل المحاولات اللافتة ترجمة مسرحية «ماكبث» لعبدالمالك إبراهيم، ثم تلت ذلك ترجمات الشاعر خليل مطران الذي أخرج ترجمة ذات مستوى راقٍ من حيث اللغة العربية،وقد كان المترجم أميناً في ما يتعلق بالنص الأصلي، وإن كان هناك نقص في النص المترجم فذلك يرجع لما يقال إنه قد ترجمها عن الفرنسية. وأعقبت ذلك محاولات جادة أخرى لرمسيس عوض، وغالي شكري، وفاطمة موسى، وجبرا إبراهيم جبرا، ونقولا رزق الله، حيث تعرّض كل منهم إلى ترجمة أعمال شكسبير معتمداً أساساً على ترجمات سابقة، وكل ذلك أفاد المجالين المسرحي والأكاديمي.
سرد الذات - الطبعة السادسة
ومن هذا المنطلق توالت إصدارات مؤلفات «منشورات القاسمي»، خاصة في مجال الترجمة، في مجموعة المسرحيات التي كتبها سموه مترجمة إلى اللغة الإسبانية، كتجربة رائدة وغنية بالدلالات، لاسيما وأن الدار قد ترجمت كتب سموه إلى «22 لغة»، في مختلف المواضيع الأدبية والتاريخية والروايات وكتب السيرة الذاتية، بعد تزايد الاهتمام بإصداراتها إثر توسع حضورها في المعارض العربية والعالمية، وإبرام عدد من الاتفاقيات مع دور النشر والمكتبات، وتوفيرها كمصادر ومراجع للباحثين والكتاب المهتمين بالتاريخ والفكر والسير والرواية والمسرح والأدب عموماً، ومراجع الأدب والتاريخ في منطقة الخليج العربي.
كما أن الإسبانية هي اللغة الرّسمية ل22 دولة في العالم منها: إسبانيا، الأرجنتين، كولومبيا، والإكوادور وهي ثاني لغة في ترتيب اللغات من حيث عدد السّكان الذين يتحدّثون بها كلغة أمّ بعد «ماندرين» الصينية. وتعتبر الإسبانية لغة حيّة عالمية، حيث يقدّر عدد الناطقين بها ب567 مليون متحدّث، ما يجعلها اللغة الثانية عالمياً.
دراما راقية
استكمالاً لمنهجها الثقافي المعرفي أطلقت «منشورات القاسمي» الترجمة الإنجليزية للأعمال المسرحية لصاحب السمو حاكم الشارقة، لتنظم للموسوعة العملاقة التي بدأتها «المنشورات» بترجمة أول أعمال سموه المسرحية (عودة هولاكو) والتي تكتنز بالمعرفة والدراما الراقية التي تستلّ من التاريخ العربي والإسلامي قيم الرشاد والحكم الصالح.
الأعمال المسرحية باللغة الفرنسية
ومع ذلك كله، فقد كان الدور الذي لعبته الترجمة في ازدهار المسرح العربي واحداً من تجليات لقاء الثقافتين الشرقية والغربية، لاسيما مع بدايات القرن العشرين على يد عدد من الرواد العرب الذين نقلوا بعضاً من التراث المسرحي العالمي، كالإغريقي، والروماني، والإنجليزي، إلى اللغة العربية، حيث لفتت النظر في مطلع الستينات في عالمنا العربي ترجمة الأعمال المسرحية الخالدة لشكسبير، فترجمت «حلم ليلة صيف» نثراً، وقدمت على المسرح ونجحت، ثم «روميو وجوليت» نثراً أيضاً، وبعد 10 سنوات أعيدت ترجمة «روميو وجوليت»، لكن هذه المرة كمسرحية كوميدية غنائية، وقدمت على مسرح النهضة سنة 1985، لتلقى نجاحاً باهراً ثم مسرحيات: يوليوس قيصر، الملك لير، هاملت، ماكبث، عطيل، حلم ليلة صيف، وكلها من المسرحيات التي تدرّس في كليات الآداب واللغات والمسرح في العالم أجمع.
تجربة رائدة
وترجمت «منشورات القاسمي» مسرحيات سموه، للغة الروسية العريقة، لغة القياصرة في المسرح والرواية والشعر والقصة، وتنتمي اللغة الروسية إلى مجموعة اللغات السلافية الشرقية التي تضم الروسية والأوكرانية والبيلاروسية، كتجربة رائدة وغنية بالدلالات، لتعبّر عن جسر يربط الحضارات ببعضها بعضاً، لاسيما وأن الدار قد أصدرت الأعمال المسرحية لسموه بلغات عدة.
تعتبر اللغة أحد أهمّ جسور التواصل بين الشعوب والدول، وعنصراً هاماً في التفاهم والتقارب والحوار، وتشكل أساساً مهماً لبناء العلاقات بين الحضارات الإنسانية. وحينما تمتزج مسرحيات سموه مع اللغة الروسية ويقرأها الرواد هناك في موسكو، أو البلدان المجاورة، فإن هذه الحضارة العظيمة التي جسّدها سموه في أعماله تكون قد تقاربت جنباً إلى جنب مع أعمال الروائي الخالد الكاتب الروسي الشهير ليو تولستوي الذي عُرف أنه من أكبر مثقفي العالم، وأنه أحد أفضل الأدباء على مر العصور، وتولستوي هو الكاتب الروسي الوحيد الذي دخل اسمه ضمن الأكثر توزيعاً في التاريخ.
وزعت أعمال تولستوي وأشهرها «الحرب والسلام» و«أنّا كارنينا» 413 مليون نسخة بالعديد من اللغات حول العالم. وبجانبه يقف الكاتب القصصي والمسرحي أنطون تشيخوف، فإلى جانب كونه من أفضل كتاب القصة القصيرة على مر العصور، فإنه يعدّ أحد أهم كتاب المسرح الحديث في أواخر القرن التاسع عشر، ومطلع القرن الماضي.
بدأ المسرح الروسي بالظهور للحياة بشكل منظم في القرن السابع عشر، وكان مصدر فخر ومتعة للنبلاء، حتى طلب أحد النبلاء من القيصر جمع الفرق التي تجوب الشوارع وجعلها فرقة كبيرة تقدم العروض في قصور النبلاء، ثم تم إنشاء مسرح كبير لها. ولا تزال أعمال تشيخوف تحظى بشهرة واسعة في العالم حتى يومنا هذا، إذ قدمت على أفضل المسارح في كثير من البلدان، في مؤشر إلى أهمية الإرث الكبير الذي خلّفه للأدب العالمي. وقد اعتبره الكاتب الإنجليزي المسرحي الساخر جورج برنارد شو يوماً «نجماً من الدرجة الأولى، بين كوكبة المسرحيين الأوروبيين الكبار».
وبالتأكيد يأتي اهتمام «منشورات القاسمي» بترجمة وإصدار الأعمال المسرحية لسموه، إلى الروسية لكونها واحدة من أهم لغات العالم، وهي لغة ذات أهمية سياسية ومنتشرة على نطاق واسع خاصة في قارتي آسيا وأوروبا، وفى الفترة الأخيرة تزايد الإقبال من العرب على تعلم اللغة الروسية نظراً لأهميتها في الوقت الحالي، وفي المقابل أظهر جيل من الشباب الروسي الاهتمام بالأدب، والثقافة العربية.
قيم عالمية
كما أصدرت المنشورات مسرحيات سموه باللغة الفرنسية، لغة المسرح والسينما والفنون البصرية وفن العمارة. وهي أيضاً لغة المُثل العالمية التي نادى بها فلاسفة عصر «التنوير» الذين أسهموا في تحقيق إشعاع مفهوم حقوق الإنسان في العالم، علماً بأن الكتابة أو الترجمة للغة الفرنسية تتيح للقراء في أوروبا والعالم الاطلاع على النتاج الأدبي المعرفي للكتّاب والمثقفين العرب.
وكان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، أصدر كتاباً مسرحياً تحت عنوان «التاريخ على خشبة المسرح الفرنسي»، (منشورات القاسمي، مارس 2019)، ويقرأ الكتاب تجارب أحد عشر كاتباً فرنسياً، انتقاهم سموه لاختلاف طرائقهم في معالجة المادة التاريخية في نصوصهم المسرحية. أما الكتّاب الفرنسيون الذين اختارهم سموه، فهم: إدموند روستان، رومان رولان، ألبير كامو، جان كوكتو، هنري دي مونترلان، ألكسندر آرنو، وبول كلوديل، وجان أنوي، وجان بول سارتر، وساشا جيتري.
سياقات متعددة
في العام الجاري، صدرت عن «منشورات القاسمي» الطبعة السادسة المزيدة المنقحة من كتاب صاحب السمو حاكم الشارقة «سرد الذات» الذي لا يمكن إضاءته بملخصات ترويجية صغيرة أو مقتطفات، بل إن أهم ما يمكن من الكتابة عنه، هو الدعوة لتصفحه والإبحار بين سطوره، لأن سياقه يتكئ على نص يتموضع بين غايتين، غاية السيرة الذاتية، وغاية اقتناص الحقائق والتسجيل التاريخي، ولأن الذهاب إلى مثل هذه المناطق، وبين سياقات، متعددة يحتاج إلى ربط كامل التفاصيل في سياقاتها الخاصة، فإن الكتاب لابد أن يُقرأ كاملاً، بكل تفاصيله المثيرة.
ولا يزال كتاب «سرد الذات»، يحقق نسبة إقبال كبيرة من المواطنين والمقيمين والقراء عامة، نظراً لما يحتويه من قراءة دقيقة لأحداث ووقائع تاريخية مهمة. وكانت «منشورات القاسمي» كشفت النقاب عن أحدث إصدار لها باللغة العربية، «سرد الذات» لأول مرة في معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 2009، وهو عبارة عن قصة حياة صاحب السمو حاكم الشارقة والتي كتب فصولها بنفسه.
لذلك، وأمام مشهد التاريخ، يقدم «سرد الذات» الذي يروي فيه سموه حكاية رحلته في بحر الحياة قبل توليه مقاليد الحكم وحكاية رحلة الشارقة، البلدة التي بادرت بمشروعها الثقافي في تلك الظروف، وهي إعادة فتح دفتر الذاكرة على تفاصيل غاية في الأهمية، في النشأة والتكوين، وتفاصيل الحياة العامة بكل دقائقها. إن «سرد الذات»، وبالأسلوب الذي اعتمده سموه في الاشتغال على مونتاج تاريخي، يدفع القارئ نحو التأمل والإفادة من المعلومات، إنه وجبة غنية بالاستبصار والتقصي وقراءة في جماليات الحياة في سيرتها الأولى، بل إن سرد الذات كتاب يتجاوز تدوين السيرة إلى محيط الكشف والقراءة لمستقبل وطن، ولمنظور فكري حضاري يتحقق في القادم.
الكتاب الذي ترجم إلى أكثر من (18) لغة عالمية، وتابعه أكثر من (30) ألف قارئ للكتاب الورقي في الوطن العربي والعالم، تم اختياره ضمن منهج وزارة التربية الإماراتية للصفوف الثانية عشرة، كما صدر عنه أيضاً كتاب مسموع صوتي. كذلك طبعته جريدة الاتحاد ضمن (كتاب في جريدة) – مشروع اليونيسكو القرائي.
وتم توزيع «سرد الذات» محلياً وعربياً وعالمياً، حيث اشتركت في توزيعه دور نشر من قارات العالم المختلفة، وقدمت عنه العديد من الدراسات البحثية لكتاب وأساتذة وأدباء وصحفيين، منذ صدوره الأول، نشر بعضها في كتب مرجعية.
يقع «سرد الذات» في 14 فصلاً، وما يزيد على أربعمئة صفحة مدعمة بصورٍ نادرة للمؤلف في مراحل عمرية مختلفة، وأخرى للشارقة، وحكامها، ومناشطها السياسية والاجتماعية والثقافية في الأربعينات، وما تلاها، وبلغة فيها الكثير من الجرأة، وتحكي تلك الفصول عبر قلم المؤلف ومضات مهمة في تاريخ البلد.