تتسم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الإمارات وسلطنة عُمان، منذ أكثر من خمسة عقود، بالشراكة والازدهار والتناغم الواضح في رؤى البلدين الشقيقين بالاتجاه نحو التنويع والانفتاح الاقتصادي، ليقودا معاً دفة النمو المتوقع في دول المنطقة، خلال الأعوام المقبلة، وفقاً لتوقعات المؤسسات الدولية.
وتستمد العلاقات الاقتصادية والتجارية «الإماراتية - العمانية»، التي أرسى قواعدها المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والسلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراهما، قوتها من جذورها التاريخية المتأصلة وحرص قيادتي البلدين على دفعها نحو مزيد من التطور والتقدم، واستثمار الفرص المتاحة بما يلبي طموحات الشعبين الشقيقين.
وتعود العلاقات الإماراتية - العمانية إلى عقود مضت، شهد البلدان خلالها محطات بارزة حافلة بالتميز، أسهمت بصورة مباشرة في ترسيخ هذه العلاقات والمضي بها قدماً، وذلك منذ اللقاء الأول الذي جمع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والمغفور له السلطان قابوس بن سعيد في العام 1968.
وشكلت الزيارة التاريخية للشيخ زايد إلى سلطنة عمان في عام 1991 منعطفاً مهماً في مسيرة التعاون بين البلدين، والتي تم على إثرها تشكيل لجنة عليا مشتركة بين البلدين، كان من أبرز إنجازاتها اتخاذ قرار بتنقل المواطنين بين البلدين باستخدام البطاقة الشخصية «الهوية» بدلاً من جوازات السفر، وتشكيل لجنة اقتصادية عليا أجرت العديد من الدراسات لإقامة مجموعة من المشاريع المشتركة.
وازدادت العلاقات الثنائية الأخوية بين البلدين تمسكاً ورسوخاً في ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، حيث تعتبر هذه العلاقة مثالاً للروابط القوية المتأصلة في وجدان البلدين وتاريخهما المشترك.
في الوقت الذي تواجه فيه العديد من اقتصادات منطقة الشرق الأوسط والدول المصدرة للنفط تحديات مختلفة لدعم نموها الاقتصادي وتعزيز قدراتها على مواصلة الإنفاق الرأسمالي، تبدو آفاق النمو الاقتصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان الأكثر إيجابية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، خلال السنوات المقبلة، وفقاً لتوقعات مؤسسات دولية.
ورسم البنك الدولي في أحدث تقرير له، حول آفاق النمو العالمي خلال عام 2020، صورة أكثر تفاؤلاً بمستقبل النمو في اقتصاد الإمارات بداية من العام المقبل، لينطلق من معدل نمو متوقع 2.6% في 2020 إلى 3% في العامين 2021و 2022، متوقعاً كذلك نمو اقتصاد سلطنة عمان إلى 3.7% في 2020 وإلى 4.3% في العامين 2021و 2022، وهو معدل النمو الأعلى المتوقع بين دول مجلس التعاون الخليجي، خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
كما أشاد صندوق النقد الدولي بالخطوات التي اتخذتها سلطنة عُمان في السنوات القليلة الماضية لدعم نمو القطاع الخاص، وتخفيض نمو الإنفاق، وتنويع الإيرادات الحكومية، وتحسين بيئة الأعمال، مشيراً إلى بدء تحسن النشاط الاقتصادي في العام الماضي، وإلى انخفاض عجز المالية العامة والحساب الجاري.
تضاعف التبادل التجاري
وفيما تتقاسم الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان قيادة دفة النمو الاقتصادي في المنطقة خلال السنوات المقبلة، تبدو العلاقات التجارية والاستثمارية والسياحية بين البلدين أكثر ازدهاراً وتطوراً، وهو ما تؤكده المؤشرات والأرقام والإحصاءات الصادرة عن الجهات الرسمية في البلدين، فالإمارات تتصدر قائمة أكبر الشركاء التجاريين لسلطنة عمان، وتعد الإمارات كذلك أكبر مستقبل للسياح العمانيين، فيما تشهد الاستثمارات البينية بين البلدين الشقيقين طفرة غير مسبوقة في القطاعات المختلفة.
ووفقاً لتحليل أجرته «الاتحاد» لبيانات وزارة الاقتصاد الإماراتية حول التجارة الخارجية غير النفطية والاستثمارات البينية بين دولة الإمارات وسلطنة عمان، بلغ إجمالي التجارة والاستثمارات البينية بين البلدين أكثر من 57.8 مليار درهم، منها 45.9 مليار درهم للتبادل التجاري في العام 2018، و11.9 مليار درهم رصيد للاستثمارات بين البلدين.
وتترجم معدلات النمو المتزايدة لحجم التبادل التجاري والاستثماري المشترك، حالة التفاهم والترابط التي تجمع البلدين، إذ سجل حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين خلال الفترة من 2010 وحتى نهاية 2018، نمواً قياسياً بنسبة زادت على 443%، بعد أن تضاعف نحو 5 مرات من 8.46 مليار درهم في 2010، ليصل إلى 45.9 مليار درهم في العام 2018، فيما تعد السلطنة ثاني أهم شريك في التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات، على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتستحوذ على ما نسبته 20% من إجمالي التجارة غير النفطية للدولة مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وعلى صعيد الاستثمارات البينية، بلغ إجمالي رصيد الاستثمارات البينية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان نحو 12 مليار درهم، منها 8.81 مليار درهم استثمارات إماراتية في السلطنة، ونحو 3.2 مليار درهم استثمارات عمانية في دولة الإمارات.
ويقدر متوسط النمو في حجم التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين، خلال السنوات الخمس الماضية، بنحو 10%، ويمتلك البلدان فرصاً للشراكات في عدد من القطاعات الرئيسة التي من شأنها خدمة أهدافهما التنموية، من أبرزها تنمية وتنويع حجم التبادل التجاري، والعمل على تعزيز الاستثمارات المشتركة في قطاعات البنية التحتية والنقل والخدمات اللوجستية لتعزيز المسارات التجارية، فضلاً عن دراسة التعاون في مجال السياحة.
مـؤشـرات ترســم التفــاؤل
ارتبط النمو الاقتصادي المتواصل والثابت في سلطنة عُمان منذ بداية عصر النهضة المباركة، بالتنمية الاقتصادية، حيث كانت زيادة النمو الاقتصادي مرتبطة دائماً بإحداث تغيرات نحو الأفضل في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، مع التنسيق فيما بينها، وأبرزها التعليم والصحة والتوظيف.
وتؤكد المؤشرات الاقتصادية والمالية أن الاقتصاد العماني يواصل التقدم نحو الأمام، وذلك بفضل ما تم تنفيذه من سياسات رشيدة وخطط مدروسة، فضلاً عن عودة أسعار النفط للارتفاع، جنباً إلى جنب، مع خطط تعزيز التنويع الاقتصادي وما تحققه المشروعات المتعلقة بهذه الخطط من نجاحات وتقدم.
وبالتوازي مع ذلك، سجل الميزان التجاري للسلطنة بنهاية يونيو 2019 فائضاً بمليارين و948 مليوناً و600 ألف ريال عماني، مقارنة بمليارين و524 مليوناً و200 ألف ريال عماني بنهاية يونيو 2018، بارتفاع نسبته 16.8% وفق إحصاءات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.
وبلغ إجمالي قيمة الصادرات السلعية للسلطنة بنهاية يونيو 2019 ما قيمته 7 مليارات و448 مليوناً و300 ألف ريال عماني، بانخفاض نسبته 0.6% مقارنة بنهاية يونيو 2018، فيما بلغت قيمة صادرات السلطنة من النفط والغاز 5 مليارات و96 مليوناً و300 ألف ريال عماني، بارتفاع نسبته 4.7% عن نهاية يونيو 2018، حيث سجلت 4 مليارات و867 مليوناً و400 ألف ريال عماني.
وأوضحت الإحصائيات الرسمية أن قيمة الصادرات السلعية غير النفطية، انخفضت بنسبة 6.9% لتبلغ ملياراً و625 مليوناً و100 ألف ريال عماني، مقارنة بنهاية يونيو 2018، حيث بلغت قيمتها ملياراً و744 مليوناً و900 ألف ريال عماني.
وجاءت السلطنة في المرتبة الأولى في الشرق الأوسط، والتاسعة عالمياً من بين أفضل 20 دولة نمواً في التجارة العالمية خلال 2019 في مؤشر (تريد- 20)، وفقاً للتقرير الصادر عن بنك ستاندرد تشارترد.
وذكر التقرير أن السلطنة تسير في مسار تصاعدي، وتتقدم بوتيرة سريعة، بفضل العديد من اتفاقيات التجارة الإقليمية والاقتصادات المتحررة التي تنجح في الابتعاد عن الاعتماد المفرط على النفط، حيث أصبحت ضمن المراكز المهمة في المنطقة.
وتمثل هذه الأرقام والإحصاءات دلالة واضحة على نجاعة الإجراءات التي اتخذتها السلطنة خلال المرحلة الماضية، وأن عمان تبدأ الآن مرحلة جني الثمار ومواصلة السير نحو الأمام بخطى وئيدة، وبسواعد أبنائها المخلصين.
2800 شركة مشتركة
بلغ عدد الشركات الإماراتية والعمانية المشتركة العاملة في السلطنة حتى يناير 2019 نحو 2800 شركة، تتركز استثماراتها في الصناعات التحويلية والطاقة والمياه والأنشطة المالية والإنشاءات والعقارات والتجارة، فيما يوجد نحو 320 علامة تجارية، و22 وكالة تجارية عمانية مسجلة في الإمارات حتى نهاية 2018.
وشملت أهم القطاعات الاستثمارية العمانية في الإمارات، الأنشطة المالية والتأمين والصناعة التحويلية والأنشطة العقارية والأنشطة المهنية والعلمية والتقنية، والتشييد والبناء وتجارة الجملة والتجزئة والمعلومات والاتصالات، فيما شملت قائمة أهم القطاعات للاستثمار الإماراتي في عمان، صناعة الأدوية ومستحضرات التجميل وتوليد الطاقة، والأنشطة العقارية، والقطاع المالي والمصرفي، والمعدات الإنشائية والصناعية، والفنادق والمطاعم، والقطاع الصناعي، واستزراع الأسماك وتجارة الجملة والتجزئة، وكذلك إنشاء مراكز التسوق.
وتنشط أكثر من 35 شركة ومجموعة استثمارية إماراتية في مختلف مجالات الاستثمار في سلطنة عمان، منها شركة مبادلة وشركة ليوا للطاقة، والشركة الأهلية لتطوير حقول النفط، والشركة العالمية لزراعة الأسماك، والشركة الوطنية للتبريد المركزي «تبريد»، والقدرة العقارية وشركة أبوظبي الوطنية للطاقة «طاقة»، وشركة أبوظبي للاستثمار، وشركة بترول رأس الخيمة، وشركة جلوبال فارما وجلفار، وبنك أبوظبي الأول، وآبار للاستثمار، وداماك، ودوكاب، ومصدر ودلفين للطاقة، ومجموعة الغرير، وشركة ماجد الفطيم.