أكد سعادة الدكتور عبدالعزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث أن ما قدمته حكومة الشارقة في حفظ التراث الثقافي خلال الخمسين عاما الماضية كان له دور مؤسسي و أكاديمي و علمي كبير ساهم في الارتقاء بالذائقة العلمية و بالأدوات البحثية من خلال إطلاق العديد من المبادرات للحفاظ على الأرث غير المادي للتراث الإماراتي تمثل في جمع الأدب الشعبي و العادات و التقاليد و المعارف التقليدية في أرشيفات خاصة و طرح إصدارات و موسوعات و قواميس شكلت ذخيرة تراثية كبيرة للباحثين و المهتمين و المتذوقين .
وقال الدكتور عبدالعزيز المسلم - في حوار خاص لوكالة أنباء الإمارات "وام" - أن إطلاق معهد الشارقة للتراث / إدارة التراث سابقا / و هو معهد ثقافي أكاديمي جاء بهدف توثيق التراث الاماراتي في مجال البحوث و الدراسات و تأهيل الكوادر للعمل في حقل التراث الثقافي من خلال إلحاقهم بتخصصات معينة وصولا إلى حصولهم على دبلومات مهنية معتمدة رسميا كما اهتم المعهد من خلال مبادراته بالكنوز البشرية الحية فمنذ سنوات طويلة جدا أولت الحكومة الرشيدة اهتماما كبيرا بالعنصر البشري الحامل للتراث الثقافي وتمثل ذلك في إطلاق ما يسمى " برنامج الرواة " وصولا إلى تنظيم "ملتقى الشارقة للراوي" الذي يعني بشريحة الرواة و مكافأتهم بشكل دائم و الاعتناء بهم و تسجيل ذخيرة ذاكرتهم و تقديمهم لوسائل الاعلام و الحياة العامة كعناصر هامة و مؤثرة حاملة للتراث الثقافي الاماراتي.
وأشار إلى أن من أبز مبادرات حكومة الشارقة لحفط التراث هو إطلاق فعالية "أيام الشارقة التراثية" وهي فعالية تنظم سنويا لمدة 3 أسابيع كل عام وتكاد تكون مدرسة يتعايش خلالها الأجيال / الصغار و الناشئة و الشباب و الكبار / فهم يتلاقون في سياق طبيعي و ليس سياق مصطنع فهناك البيئات الإماراتية المختلفة / البرية و البحرية / والحرف الإماراتية والعديد من الورش و المشاغل هي أشبه ما تكون بالحقيقية إلى درجة كبيرة .. وقال إن هذه الأيام التي انطلقت منذ 18 عاما ساهمت في ترميم الذاكرة الشعبية الاماراتية فما كان قد نسي عاد مرة أخرى إلى الواجهة في "أيام الشارقة التراثية" .. مشيرا إلى أن الأيام التراثية لم تقف إلى هذا الحد بل جلبت تراث الشعوب الأخرى سواء تراث عربي أو عالمي قدموا مختلف صور تراثهم وتعرفوا على تراثنا ونقلوه إلى بلدانهم .. وأكد أن الأيام التراثية كانت ولا تزال مدرسة تفاعلية حية صادقة في تقديم و تلقين و حفظ التراث الثقافي.
ووصف إقبال الجمهور على الأيام التراثية طوال السنوات الماضية بأنه كبير للغاية فهناك من قال لنا نحن ندير مشاريع تجارية بسبب الأيام التراثية كما تمت تنمية كثير من المهارات الحرفية من خلال هذا الحدث و كذلك الأمر على المجال الفني من حيث التصوير وإخراج الفيديوهات و صناعة المحتوى التراثي فهناك كثير من المحترفين الذين يصنعون المحتوى التراثي يؤكدون أن المحتوى التراثي الذي تقدمه الأيام التراثية في 3 أسابيع تغنيهم عن العمل في عام كامل.
وقال رئيس معهد الشارقة للتراث إنه وبتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة تم ترميم المناطق التراثية في الامارة والتي بدأت من مدينة الشارقة "حي الغرب" حيث تم ترميم معظم ما نراه في الشارقة القديمة في منطقة " الشويهين – حي الفنون حاليا و فريج السوق و فريج الشيوخ و فريج المريجة و منطقة التراث " كما تم ترميم الأسواق وإعادة الحياة بها ..لافتا إلى أن الدور الذي قدمته إدارة التراث / معهد الشارقة للتراث كان كبيرا واحتذت به كثير من المناطق سواء داخل الدولة أو خارجها حيث استقبلنا العديد من الوفود الزائرة من دول الخليج العربية للاطلاع على تجربتنا وصولا إلى تنفيذهم العديد من المشاريع المماثلة في دولهم.
ونوه إلى أن الترميم امتد إلى مدن كلباء و خورفكان و الذيد و فلي و دبا الحصن حتى خارج الامارة كان لنا دور في إمارات أخرى في مجال الترميم و الصيانة وإعادة إحياء المناطق التراثية القديمة .. فالخبرة التي اكتسبها المعهد كان لها عدة أوجه سواء من خلال استقدام خبراء فاعلين في هذا المجال أو الاطلاع على تجارب متقدمة كإستضافة مركز "ايكروم- الشارقة" ..مشيرا إلى أن الايكروم هي منظمة حكومية دولية تعمل في خدمة الدول الأعضاء على تعزيز عملية صون وإعادة التأهيل لكافة أنواع التراث الثقافي في كل منطقة من العالم إلى جانب الاطلاع على تجارب ناجحة كثيرة حتى على صعيد العمالة المدربة فعملية الترميم و استخدام مواد البناء عندنا في الدولة هي مشابهة لما يحدث في شرق افريقيا حيث ذهبنا إلى مومباسا و زنجبار واطلعنا على تجاربهم في ترميم البيوت القديمة و رأينا أنها متطابقة لذا استقدمنا عمالة و فنيين للعمل هنا في الشارقة حتى أعمال النجارة جلبنا عمالة متدربة من الهند لتنفيذها في الامارة ففي فترة التسعينيات من القرن الماضي كان كثير من المشرفين على العمل هم من المواطنين الإماراتيين حتى في أعمال البناء والنجارة لذلك أرى أن تجربة الشارقة هي تجربة أصيلة و خالصة لها كثير من الأبعاد التي تجعل منها أحد أهم التجارب المحلية والعربية في مجال الترميم.
وأشار إلى أن صاحب السمو حاكم الشارقة له الدور الكبير والأوحد في هذا المجال فلولا دعمه و تخطيطه لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه في الوقت الحاضر فما زلنا نحتفظ بالقصاصات التي خطت و رسمت بيد سموه ترشدنا إلى الشخصيات المناسبة لتنفيذ أعمال الترميم فقد كان سموه المرشد الأول لنا فهو مدرسة نتعلم و نعمل من خلالها ونحظى منه بدعم معنوي و مادي إلى جانب سن القوانين و التشريعات التي أسهمت في الحفاظ على التراث الثقافي .
وقال سعادة الدكتور عبدالعزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث : قبل سنة وبتوجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة انتقلنا إلى مدينة خورفكان للعمل على ترميم المناطق القديمة و بعد إنجاز الأعمال أصبحت هذه المواقع مزارات سياحية يقصدها الداني والبعيد للاستمتاع بأجواء تحمل الكثير من الأصالة .. والآن انتقلنا إلى مدن كلباء و الذيد و دبا الحصن .. مؤكدا متابعة صاحب السمو حاكم الشارقة المستمرة والتي تكاد تكون بصفة إسبوعية للأعمال وسرعة الانجاز فهو لا يريد الناس أن تنتظر طويلا يريد أن يحصل الناس على نتائج سريعة وبنفس الوقت ذات جودة عالية.
وأوضح أنه وبتوجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة أيضا يتم الإعداد حاليا لانشاء متحف رئيسي كبير على مستوى الدولة يقع في كلباء تحت مسمى " متحف كلباء التراثي " هذا المتحف كبناء يشكل معلما كبيرا ويحتوي على مجمل ما يسمى بالتراث الثقافي - الخط الاثنوغرافي - للثقافة الاماراتية فهو يتناول كل ما يحيط بالإنسان في تلك المنطقة خلال القرون / 20 و 19 و 18 و أجزاء من القرن الـ 17 / من الحياة العامة و المهن و الحرف و التراث و الأدب الشعبي .. مشيرا إلى أن المتحف سيكون من المعالم البارزة للامارة تجذب الزوار من مختلف المناطق للإطلاع و الاستمتاع بمحتوياته .
وأكد المسلم أن معهد الشارقة للتراث وفي سبيل حفاظه على الإرث التراثي الإماراتي يعمل على إحياء العديد من الفعاليات الشعبية التراثية كمناسبة "ليلة النصف من شعبان" التي طواها الزمن فتمت إعادتها منذ فترة التسعينيات و إحيائها من جديد تحت مسمى " احتفال النص من شعبان" و مازلنا نحيي هذه المناسبة و نحافظ عليها وأرى الكثير من الجهات التي حذت حذونا .. إلى جانب الاحتفال بقدوم فصل الصيف "القيظ" حيث يتم تنظيم فعالية "بشارة القيظ".
وأوضح أن المعهد ينظم طوال العام فعاليات أخرى كملتقى الحرف التقليدية وملتقى الألعاب الشعبية إلى جانب عقد الكثير من الندوات و المحاضرات وإحياء ذكرى رحيل عدد من الشعراء الاماراتيين على سبيل المثال ذكرى غياب الشاعر علي بن إرحمه الشامسي وغيرهم من الشعراء الذين نعتبرهم رموزا أضافوا للمفردات الاماراتية الكثير سواء من إمارة الشارقة أو إمارة أخرى .
ولفت الدكتور المسلم في حديثه إلى الشق الأكاديمي للمعهد الذي يحمل أكثر من جانب .. جانب إيجاد المصادر و المراجع من خلال إدارة المحتوى و النشر فالمعهد يطبع سنويا 50 كتابا و يطبع مجلتين الأولى علمية محكمة و الأخرى ثقافية منوعة وهذا الزخم يرفد الجانب الأكاديمي و العلمي للمعهد إضافة إلى اعتمادنا كجهة رسمية من الجهات المعنية بالدولة كجهة تقدم دبلومات مهنية وعددها / 5 دبلومات / كما لدينا ارتباطات مع العديد من الجامعات خارج الدولة مع / المغرب و ايطاليا و أرمينيا و الصين و رومانيا / و لدينا برامج مشتركة مع تلك الدول تسهل للطلبة الالتحاق بهذه الجامعات والحصول على درجات الماجستير و الدكتوراة كما لدينا برنامجا مفتوحا مع المعهد الوطني للآثار و التراث في المغرب من خلاله يسهل للطالب الحصول على درجة الماجستير في التعددية الثقافية .
وأكد المسلم سعي المعهد خلال الخمسين عاما القادمة إلى أن يصبح جهة أكاديمية تمنح شهادة البكالوريوس والماجستير والدكتوراة بالتعاون مع الشركاء فضلا عن أن يكون مصدرا رئيسيا لنشر وطباعة التراث العربي وهي خطوة بدأنا بها منذ 7 أعوام بأن نكون بنكا لمعلومات التراث العربي من خلال إصدار "مكنز التراث العربي" حيث أصدرنا حتى الآن 6 أجزاء كبيرة من المكنز و هي متوفرة في الجامعات العربية ..لافتا إلى أن هذا المكنز سيتحول مستقبلا إلى موقع إلكتروني متطور يضم مختلف المفردات و المصطلحات التراثية العربية فهو أشبه ما يكون بـ "ويكيبيديا" – مخصصة للتراث العربي يرافقه أيضا موقع للتراث الاثنوغرافي العربي و سيكون متاحا للجميع و مقصدا للطلبة و المدرسين و الباحثين.
ونوه إلى أهمية التعاون مع الجهات المهتمة بالتراث في الدولة وهو تعاون موجود فعليا و كبير سواء كان مع دائرة السياحة والثقافة في أبوظبي أو نادي تراث الامارات أو مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث في دبي وغيرها من الجهات المتخصصة بالتراث من حيث تبادل الخبرات و علاقات العمل واعتقد هذا ما يجب ان يكون بين الجهات ذات الاختصاص المشترك فالعمل بشكل فردي يورث الازدواجية والتكرار ولإكمال المسيرة على أكمل وجه لا بد من النظرة التكاملية فنجاح التجربة الاماراتية الاتحادية أساسها التكامل و التنوع الشمولي.
وحول تواجد الكادر المواطن في معهد الشارقة للتراث ..قال المسلم : بتوجهات صاحب السمو حاكم الشارقة فإن دائرة الموارد البشرية بالشارقة تهتم برفد المعهد بكوادر إماراتية سواء ذات خبرة أو كوادر شابة لكن الملفت للنظر أن العمل في مجال التراث يجذب العديد و هذا يعود للحنين الداخلي وحبهم للتراث ..موضحا أن التراث قد يبدو عملا سهلا من النظرة الأولى لكنه بالعكس هو عمل صعب و يحتاج لجهد و إتقان شديد فالتعامل مع كبار السن ليس بالأمر السهل و الحصول على معلومات خاصة بتجربتهم الثرية لن تكون سهلة المنال الأمر بحاجة لطريقة تعامل مختلفة تستند على الثقة ومن تجربتي الشخصية التي تتجاوز الـ 30 عاما فإن عبور جسر الثقة والتسلح بالمعرفة يحتاج الكثير من الجهد و المشقة.
ونوه المسلم إلى أن الاماراتيين يهوون التراث بدرجة كبيرة فمنهم من أسس مواقع و حسابات إلكترونية تراثية على مواقع التواصل الاجتماعي و منهم من أسس متاحف شخصية و أرى أنها جهود طيبة ولكن لا تحمل فيها عمق باستثناء حساب أو حسابين و هذا ينسحب أيضا على المتاحف التي تصل إلى المئات ومعظمها يغلب عليها الكم وليس الكيف ..مشيرا إلى أن الكثير ممن حصلوا على شهادة الدبلوم من معهد الشارقة للتراث و لديهم متاحف شخصية قرروا الاستغناء عن الكثير من مقتنيات متاحفهم لان ليس كل من وضع قطع قديمة أصبح لديه متحف .. فالمتحف هو الذي يضم الناتج المحلي التي لديها علاقة بالثقافة المحلية و ليس جمع التحف والانتيكات.
وأكد أن معهد الشارقة للتراث لديه حسابات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي فلابد من مجاراة الواقع و هو مهم فشريحة كبيرة من الجمهور لا تقرأ الصحف بل تتابع الأخبار من هذه المواقع ونحن بدورنا نحاول أن نتواجد من خلالها لعرض اخبارنا وأنشطتنا و فعالياتنا و تقديم المسابقات لجذب أكبر عدد من المهتمين بالتراث الثقافي .
وفي ختام حديثه ..وجه الدكتور عبدالعزيز المسلم الشكر و التقدير لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة على دعمه فهو سبب وجود هذا الاهتمام الكبير بالتراث ..كما أوجه رسالة لمحبي التراث الثقافي والباحثين والعاملين "أن العمل في مجال الحفاظ على التراث يحتاج لنفس طويل لأن مردوده المعنوي أكثر من المادي و الفائز هو ذلك الجيل الذي سيأتي لاحقا ويقول شكرا لمن سبقني لأنه احتفظ لي بهذه المعلومة و قدم لي هذه الصورة الجميلة و الناصعة لتراثي الثقافي العريق".